فصل: بَابُ اللَّقِيطُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.بَابُ اللَّقِيطُ:

هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ، كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ وَشَرْعًا (طِفْلٌ) لَا مُمَيِّزٌ، (لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَلَا) يَعْرِفُ (رِقَّهُ، نُبِذَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- أَيْ: طُرِحَ فِي شَارِعٍ أَوْ بَابِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، (أَوْ ضَلَّ) الطَّرِيقَ، مَا بَيْنَ وِلَادَتِهِ (إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ) فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ: (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَى الْبُلُوغِ).
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَكُونُ لَقِيطًا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا الْتَقَطَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَعًا مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ؛ أُقْرِعَ، وَلَمْ يُخَيَّرْ، بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ لَوْ نُبِذَ أَوْ ضَلَّ طِفْلٌ مَعْرُوفٌ النَّسَبِ، أَوْ مَعْلُومُ الرِّقِّ، فَعَرَفَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ غَيْرُهُ؛ فَهُوَ لَقِيطٌ لُغَةً لَا شَرْعًا. (وَالْتِقَاطُهُ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- شَرْعًا (فَرْضُ كِفَايَةٍ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسٍ، فَكَانَ وَاجِبًا، كَإِطْعَامِهِ إذَا اُضْطُرَّ، وَإِنْجَائِهِ مِنْ نَحْوِ غَرَقٍ. فَلَوْ تَرَكَهُ جَمِيعُ مَنْ رَآهُ؛ أَثِمُوا. وَيَحْرُمُ النَّبْذُ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِالْمَنْبُوذِ لِلتَّلَفِ. (وَسُنَّ إشْهَادٌ عَلَيْهِ) كَاللُّقَطَةِ، وَدَفْعًا لِنَفْسِهِ لِئَلَّا تُرَاوِدَهُ بِاسْتِرْقَاقِهِ. [وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَآهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُرَبِّيَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا] فَلِلْحَاكِمِ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ، وَتَسْلِيمُهُ إلَى أَمِينٍ لِيُرَبِّيَهُ. وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: اللَّقِيطُ، وَقَدْ عُرِّفَ، وَالِالْتِقَاطُ، وَالْمُلْتَقِطُ: وَهُوَ كُلُّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ عَدْلٍ وَلَوْ ظَاهِرًا. (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِمَّا مَعَهُ) إنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ، وَمَا وَجَدَ مَعَهُ فَهُوَ مَالُهُ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ، وَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَلِيُّهُ وَيَبِيعَ مِنْ مَالِهِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ؛ (فـَ) يُنْفِقُ عَلَيْهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: وَجَدْتُ مَلْقُوطًا، فَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: فَاذْهَبْ هُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ أَوْ رَضَاعُهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِكَوْنِهِ لَا مَالَ فِيهِ، أَوْ لِكَوْنِ الْبَلَدِ لَيْسَ فِيهَا بَيْتُ مَالٍ وَنَحْوِهِ؛ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ- (حَاكِمٌ)، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِدُونِ مِنَّةٍ تَلْحَقُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَشْبَهَ الْأَخْذَ لَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَ. (فَلَوْ) اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (بَانَ) اللَّقِيطُ رَقِيقًا، أَوْ بَانَ (لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ)؛ كَأَبٍ مُوسِرٍ أَوْ وَارِثٍ مُوسِرٍ؛ (رَجَعَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى سَيِّدِ الرَّقِيقِ، وَأَبِي الْحُرِّ الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَحَدٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ وَفِي الْحَاكِمِ مَا اقْتَرَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ لِلَّقِيطِ مَالٌ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ لِمَانِعٍ، أَوْ يُنْتَظَرُ حُصُولُهُ مِنْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَنِيٌّ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ، وَقَالَ: وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ نَفَقَةَ الْمِثْلِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، لِيَرْجِعَ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ انْتَهَى.
وَإِذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَقَالَ أَحْمَدُ: يُؤَدِّي النَّفَقَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى الْحَاكِمِ الِاقْتِرَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِنَحْوِ مَنْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ فِيهِ؛ (فَعَلَى مَنْ عَلِمَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَجَّانًا؛ لِلْأَمْرِ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَبِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَلِأَنَّهُ إحْيَاءُ مَعْصُومٍ، وَإِنْقَاذٌ لَهُ مِنْ التَّلَفِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ)، يَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ بِهِ الْقِيَامُ بِهِ مَجَّانًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُنْفِقُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ (إذَنْ)؛ أَيْ: عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ الِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِينَ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ تَرَكَ الْكُلُّ أَثِمُوا، أَوْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ، فَهِيَ كَنَفَقَةِ الْغَرِيبِ وَقِرَى الضَّيْفِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَة.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَجَّانًا، وَاسْتِحْقَاقَ الْعِوَضِ لَا يَجْتَمِعَانِ انْتَهَى.
(وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- إنْ وُجِدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِظَاهِرِ الدَّارِ، وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ.
(وَ) يُحْكَمُ (بِحُرِّيَّتِهِ)؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا، وَالرِّقُّ لِعَارِضٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. فَاللَّقِيطُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، حَتَّى فِي قَذْفٍ وَقَوَدٍ، (إلَّا أَنْ يُوجَدَ) اللَّقِيطُ (بِبَلَدِ حَرْبٍ، وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ)- أَيْ: فِي بَلَدِ الْحَرْبِ- (أَوْ فِيهِ مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ؛ فَهُوَ كَافِرٌ رَقِيقٌ)؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ كَانَ أَهْلُهَا مِنْهُمْ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَلِيلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ؛ غَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الْأَكْثَرِ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الدَّارِ لَهُمْ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ سَاكِنٌ؛ فَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْحَارِثِيُّ فَقَالَ مَثَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْمُسْلِمِ هُنَا بِالتَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَاعْتَبَرَ إقَامَتَهُ زَمَنًا، حَتَّى صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُرُورُهُ مُسَافِرًا. (وَإِنْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ) فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ فَلَقِيطُهَا (مُسْلِمٌ) حُرٌّ، تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ (فِي بَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ)، (فـَ) قِيلَ: إنَّهُ (مُسْلِمٌ)؛ لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ مُسْلِمٍ يَكْتُمُ إيمَانَهُ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، (خِلَافًا لَهُمَا)- أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ- فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (تَغْلِيبًا لِلدَّارِ وَانْعِدَامِ أَبَوَيْهِ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَفِي بَلَدٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ فَكَافِرٌ. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فِي بَلَدٍ كُلُّ أَهْلِهَا ذِمَّةٌ، وَوُجِدَ فِيهَا لَقِيطٌ؛ حُكِمَ بِكُفْرِهِ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ جَزَمَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُبْدِعِ وَغَيْرُهُمْ: بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّ تَغْلِيبَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَهَذِهِ لَا مُسْلِمَ فِيهَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِهَا مُسْلِمٌ؛ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى كَتْمِ إيمَانِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَاهُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا نَقَلَاهُ. (وَإِنْ كَانَ بِهَا)؛ أَيْ: بِبَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ، (مُسْلِمٌ)، وَلَوْ وَاحِدًا، (يُمْكِنُ كَوْنُهُ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- (مِنْهُ)- أَيْ: الْمُسْلِمِ- فَاللَّقِيطُ (مُسْلِمٌ).
قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: (قَوْلًا وَاحِدًا)، تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَلِظَاهِرِ الدَّارِ. (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ)- أَيْ: لَقِيطٌ- (قُلْنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ)- أَيْ: دَارِ الْكُفْرِ- وَهُوَ مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ لَا مُسْلِمَ بِهِ، أَوْ بِهِ نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ، (حَتَّى صَارَتْ) دَارُ الْكُفْرِ (دَارَ إسْلَامٍ؛ فَهُوَ مُسْلِمٌ فِيهَا)؛ أَيْ: حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ. (وَمَا وُجِدَ مَعَهُ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- (مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ؛) كَوِطَاءٍ وَبِسَاطٍ وَوِسَادَةٍ وَسَرِيرٍ (وَثِيَابٍ) وَحُكِيَ أَوْ غِطَاءٍ عَلَيْهِ، (أَوْ مَالٍ بِجَيْبِهِ، أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ) أَوْ وِسَادَتِهِ، أَوْ وُجِدَ (مَدْفُونًا تَحْتَهُ) دَفْنًا (طَرِيًّا)؛ بِأَنْ تَجَدَّدَ حَفْرُهُ، (أَوْ) وُجِدَ (مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ)، كَثَوْبٍ مَوْضُوعٍ إلَى جَانِبِهِ، (أَوْ) وَجَدْنَا (حَيَوَانًا مَشْدُودًا بِثِيَابِهِ)؛ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا مَا طُرِحَ مِنْ فَوْقِهِ، أَوْ رَبَطَهُ بِهِ، أَوْ بِثِيَابِهِ أَوْ سَرِيرِهِ، وَمَا بِيَدِهِ مِنْ عِنَانِ دَابَّةٍ؛ أَوْ مَرْبُوطٌ عَلَيْهَا، أَوْ مَرْبُوطٌ بِهِ أَوْ بِثِيَابِهِ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ. وَيَمْتَنِعُ الْتِقَاطُهُ بِدُونِ الْتِقَاطِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَمَالِكِهِ (وَكَذَا خَيْمَةٌ وَدَارٌ وُجِدَ فِيهَا)، فَهِيَ لَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَجَهِلَ مَالِكُهَا) وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ بَالِغٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ فَهُوَ بِهِ أَخَصُّ، إضَافَةً لِلْحُكْمِ إلَى أَقْوَى السَّبَبَيْنِ، فَإِنَّ يَدَ الْمُلْتَقِطِ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى يَدِ الْبَالِغِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَقِيطًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِاسْتِوَاءِ يَدِهِمَا. إلَّا أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ؛ فَيُعْمَلُ بِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَمَا وُجِدَ مَدْفُونًا بَعِيدًا عَنْهُ، أَوْ مَدْفُونًا تَحْتَهُ غَيْرَ طَرِيٍّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ، اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ وَمَا لَيْسَ مَحْكُومًا لَهُ بِهِ فَلُقَطَةٌ. (وَالْأَوْلَى بِحَضَانَتِهِ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- (وَاجِدُهُ)؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، (إنْ كَانَ أَمِينًا)؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (عَدْلًا)؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَقَرَّ اللَّقِيطَ فِي يَدِ أَبِي جَمِيلَةَ، حِينَ قَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. (وَلَوْ) كَانَ (ظَاهِرًا)؛ أَيْ: لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ بَاطِنًا؛ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ. (حُرًّا) تَامَّ الْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ، فَلَا يَصْرِفُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ، وَلَا مَنَافِعُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَكَذَا الْمُبَعَّضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ. فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ أُقِرَّ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّ السَّيِّدَ الْتَقَطَهُ، وَاسْتَعَانَ بِرَقِيقِهِ فِي حَضَانَتِهِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ (مُكَلَّفًا)؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ، فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ. (رَشِيدًا)؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى. وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُقِرُّ بِيَدِهِ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ قُرْبَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، وَعَدَمُ إقْرَارِهِ بِيَدِهِ دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً، إلَّا الرَّقِيقَ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ سِوَاهُ؛ فَعَلَيْهِ الْتِقَاطُهُ؛ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ الْهَلَاكِ كَالْغَرَقِ، وَيَأْتِي. (وَلَهُ)- أَيْ: لِوَاجِدِهِ- الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (حِفْظُ مَالِهِ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ؛ (لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ)؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَلِأَنَّهُ وَلِيٌّ بِحَضَانَتِهِ لَا مِنْ أَجْلِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْحَاكِمَ، وَلِوَاجِدِهِ الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- مِمَّا وَجَدَ مَعَهُ، (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ)؛ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَصِيٌّ. وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ؛ بِخِلَافِ مَنْ أَوْدَعَ مَالًا وَغَابَ، وَلَهُ وَلَدٌ؛ فَلَا يُنْفِقُ الْوَدِيعُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، بَلْ تَقُومُ امْرَأَتُهُ إلَى الْحَاكِمِ، حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ. (وَنُدِبَ) لِوَاجِدِ اللَّقِيطِ الْإِنْفَاقُ (بِإِذْنِهِ)- أَيْ: الْحَاكِمِ- إنْ وَجَدَ، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ، وَأَقْطَعُ مِنْ الْمَظِنَّةِ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ، وَحِفْظٌ لِمَالِهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي لِوَلِيِّ اللَّقِيطِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، فَإِذَا بَلَغَ وَاخْتَلَفَا هُوَ وَوَاجِدُهُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ فِي الْإِنْقَاقِ بِأَنْ قَالَ اللَّقِيطُ: أَنْفَقْتُ فَوْقَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْكَرَهُ وَاجِدُهُ؛ فَقَوْلُ الْمُنْفِقِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَكَذَا) لِوَاجِدِ اللَّقِيطِ (قَبُولُ هِبَةٍ) لِلَّقِيطِ، وَقَبُولُ (وَصِيَّةٍ) لَهُ، وَزَكَاةٍ، وَنَذْرٍ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، فَكَانَ لَهُ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ، كَحِفْظِهِ وَتَرْبِيَتِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْتُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يَجِبُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِاللَّقِيطِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ. (وَيَصِحُّ)- أَيْ: يَجُوزُ- (الْتِقَاطُ قِنٍّ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ)، بَلْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ الْمَهْلَكَةِ؛ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِانْحِصَارِهِ فِيهِ. وَيَصِحُّ الْتِقَاطُ (ذِمِّيٍّ لِذِمِّيٍّ)، وَيُقَرُّ بِيَدِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. (وَلَوْ الْتَقَطَ) لَقِيطًا (كَافِرًا) اثْنَانِ (مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ)؛ فَهُمَا (سَوَاءٌ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِالْتِقَاطِ. وَلِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ الْوِلَايَةُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَالنَّظْمِ أَنَّ (الْمُسْلِمَ أَحَقُّ بِهِ).
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بِلَا تَرَدُّدٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ يَنْشَأُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيَتَعَلَّمُ شَرَائِعَ الدِّينِ، فَيَفُوزُ بِالسَّعَادَةِ الْكُبْرَى. (وَيُقَرُّ) لَقِيطٌ (بِيَدِ مَنْ) الْتَقَطَهُ (بِالْبَادِيَةِ مُقِيمًا فِي حِلَّةٍ)- بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ- وَهُوَ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ لِلِاسْتِيطَانِ؛ لِأَنَّهَا كَالْقَرْيَةِ، فَإِنَّ أَهْلَهَا لَا يَرْحَلُونَ عَنْهَا لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ. (أَوْ) لَمْ يَكُنْ فِي حِلَّةٍ، لَكِنَّهُ (يُرِيدُ) وَاجِدُهُ (نَقْلَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (إلَى الْحَضَرِ)؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ، إلَى أَرْضِ الرَّفَاهِيَةِ وَالدِّينِ.
وَ(لَا) يُقَرُّ بِيَدِ مُلْتَقِطِهِ إنْ كَانَ (بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ)؛ لِأَنَّهُ إتْعَابٌ لِلطِّفْلِ بِنَقْلِهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى مَنْ فِي قَرْيَةٍ، لِأَنَّهُ أَرْفَهُ لَهُ وَأَخَفُّ عَلَيْهِ. (أَوْ)- أَيْ: وَلَا يُقَرُّ أَيْضًا بِيَدِ (مَنْ وَجَدَهُ)- أَيْ: اللَّقِيطَ- (فِي الْحَضَرِ، فَأَرَادَ نَقْلَهُ لِلْبَادِيَةِ)؛ لِأَنَّ مَقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَأَرْفَهُ لَهُ، وَكَوْنُهُ وُجِدَ فِي الْحَضَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُلِدَ فِيهِ، فَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ، وَظُهُورِ أَهْلِهِ، وَاعْتِرَافِهِمْ بِهِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ وَاجِدِهِ (مَعَ فِسْقِهِ) الظَّاهِرِ، (أَوْ رِقِّهِ)؛ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْحَضَانَةِ وَالْوِلَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ؛ فَهُوَ نَائِبُهُ. وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ مُدَبَّرٍ، وَأُمِّ وَلَدٍ، وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَمُكَاتَبٍ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ؛ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَتَقَدَّمَ. (أَوْ) مَعَ (كُفْرِهِ)- أَيْ: الْوَاجِدِ- (وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ)؛ لِانْتِفَاءِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَلَا يُؤْمَنُ فِتْنَتُهُ فِي الدِّينِ، وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ، وَسَفِيهٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْوِلَايَةِ. (وَإِنْ الْتَقَطَهُ حَضَرًا مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ)؛ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ. (أَوْ) الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ أَوْ إلَى (قَرْيَةٍ)، أَوْ الْتَقَطَهُ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ (مِنْ حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ؛ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ أَوْ حِلَّتِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ. وَكَالْمُنْتَقِلِ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ (مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ الَّذِي كَانَ)- أَيْ: وُجِدَ- (بِهِ وَبِيئًا)- أَيْ: وَخِيمًا (كَغَوْرِ بَيْسَانِ)- بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ، ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ- مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، (وَنَحْوُهُ) أَيْ: نَحْوِ غَوْرِ بَيْسَانِ مِنْ الْأَرَاضِي الْوَبِيئَةِ؛ كَالْجُحْفَةِ بِالْحِجَازِ، فَإِنَّ اللَّقِيطَ يُقَرُّ بِيَدِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهَا إلَى الْبِلَادِ الَّتِي لَا وَبَاءَ فِيهَا، أَوْ دُونَهَا فِي الْوَبَاءِ؛ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِي النَّقْلِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَإِنْ وَجَدَهُ)- أَيْ اللَّقِيطَ- (بِفَضَاءٍ خَالٍ) مِنْ السُّكَّانِ؛ (نَقَلَهُ حَيْثُ شَاءَ) قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ إذْ لَا وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ.
فَائِدَةٌ:
لَا يُقَرُّ اللَّقِيطُ بِيَدِ مُبَذِّرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ لَمْ يُمْنَعْ؛ لِلْأَمْنِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَسْتُورَ الْحَالِ، لَمْ تُعْرَفُ مِنْهُ حَقِيقَةً عَدَالَةٌ وَلَا خِيَانَةٌ؛ أَقَرَّ اللَّقِيطُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَدْلِ فِي لُقَطَةِ الْمَالِ، وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ، وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ». فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِلَقِيطِهِ لِغَيْرِ نَقْلَةٍ؛ أُقِرَّ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدِهِ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ مُشْرِفٍ يُضَمُّ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْعَدْلَ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّتْرُ وَالصِّيَانَةُ. (وَحَيْثُ قُلْنَا: لَمْ يُقَرَّ) اللَّقِيطُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ، (فَإِنَّمَا هُوَ)- أَيْ: عَدَمُ إقْرَارِهِ (عِنْدَ وُجُودِ الْأَوْلَى بِهِ) مِنْ الْمُلْتَقِطِ، (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) أَوْلَى مِنْهُ، (فَإِقْرَارُهُ بِيَدِهِ أَوْلَى كَيْف كَانَ)؛ لِرُجْحَانِهِ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ. (وَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ وَمُقِيمٌ مِنْ مُلْتَقِطَيْنِ) لِلَّقِيطِ مَعًا (عَلَى ضِدِّهِمَا)، فَيُقَدَّمُ الْمُوسِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلَّقِيطِ، وَيُقَدَّمُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ. (فَإِنْ اسْتَوَيَا)- أَيْ: الْمُلْتَقِطَانِ- بِأَنْ لَمْ يَتَّصِفْ أَحَدُهُمَا بِمَا يَكُونُ بِهِ أَوْلَى، وَتَشَاحَّا؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ تَهَايَآهُ، بِأَنْ جُعِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ؛ أَضَرَّ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الْأَغْذِيَةُ وَالْأُنْسُ وَالْإِلْفُ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِالتَّحَكُّمِ لِتَسَاوِي حَقِّهِمَا؛ فَتَعَيَّنَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا؛ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي تَعْيِينِ السِّهَامِ بِالْقِسْمَةِ، وَكَمَا يُقْرَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْقَسَمِ. وَلَا تُرَجَّحُ الْمَرْأَةُ فِي الِالْتِقَاطِ، كَمَا تُرَجَّحُ فِي حَضَانَةِ وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ. لِأَنَّهَا إنَّمَا رَجَحَتْ هُنَاكَ لِشَفَقَتِهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَتَوَلِّيهَا لِحَضَانَتِهِ بِنَفْسِهَا، وَالْأَبُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَكَانَتْ أُمُّهُ أَحَظَّ لَهُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ اللَّقِيطِ، وَالرَّجُلُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ؛ فَاسْتَوَيَا.
وَ(لَا) يُقَدَّمُ (ظَاهِرُ عَدَالَةٍ، أَوْ كَرِيمٌ، أَوْ بَلَدِيٌّ عَلَى ضِدِّهِ)؛ أَيْ: ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ وَمَسْتُورُهَا سَوَاءٌ، وَالْكَرِيمُ وَالْبَخِيلُ سَوَاءٌ، وَالْبَلَدِيُّ وَالْقَرَوِيُّ سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَهْلِيَّةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا)- أَيْ: الْمُتَنَازِعَانِ- (فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا)؛ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي الْتَقَطَ وَحْدَهُ؛ فَاللَّقِيطُ (لِمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِ؛ إعْمَالًا لِبَيِّنَتِهِ. فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ؛ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا أَخَذَ مِمَّنْ ثَبَتَ الْحَقُّ لَهُ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّقِيطَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، فَهُوَ كَالْمَالِ؛ فَيَجْرِي مَا فِي بَيِّنَةِ الْمَالِ مِنْ رِوَايَةِ اعْتِبَارِ سَبْقِ التَّارِيخِ، وَرِوَايَةِ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ اتَّحَدَتَا تَارِيخًا، أَوْ أُطْلِقَتَا، أَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى؛ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا؛ فَكَدَعْوَى الْمَالِ؛ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ خَارِجٍ، (عَدِمَاهَا)- أَيْ: الْبَيِّنَةَ- وَهُوَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا؛ فَاللَّقِيطُ (لِذِي الْيَدِ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ تُفِيدُ الْمِلْكَ، فَأَوْلَى أَنْ تُفِيدَ الِاخْتِصَاصَ (بِيَمِينِهِ)؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ. (فَإِنْ كَانَ) اللَّقِيطُ (بِيَدَيْهِمَا)، وَلَا بَيِّنَةَ؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي كَفَالَةِ اللَّقِيطِ، كَمَا تَقَدَّمَ [(فَمَنْ قَرَعَ)- أَيْ: خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ- (سُلِّمَ) اللَّقِيطُ (إلَيْهِ بِيَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ]. (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا)- أَيْ: لِمَنْ عَدِمَتْ بَيِّنَتَاهُمَا أَوْ تَعَارَضَتَا،- (يَدٌ) عَلَى اللَّقِيطِ، (فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا بِعَلَامَةٍ مَسْتُورَةٍ)، بِأَنْ يَقُولَ بِظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ كَتِفِهِ أَوْ فَخِذِهِ شَامَةٌ أَوْ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِ، فَكُشِفَ وَوُجِدَ كَمَا ذَكَرَ؛ (قُدِّمَ) عَلَى مَنْ لَمْ يَصِفْهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ اللُّقَطَةِ، فَقُدِّمَ بِوَصْفِهَا كَلُقَطَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ (وَصَفَاهُ) جَمِيعًا بِمَا تَقَدَّمَ؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا، (وَلَمْ يَصِفَاهُ)، وَلَا وَصَفَهُ أَحَدُهُمَا، (وَلَا يَدَ) لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا؛ (سَلَّمَهُ حَاكِمٌ لِمَنْ يَرَى) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ، فَاسْتَوَيَا وَغَيْرُهُمَا فِيهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَنَازَعَاهُ. (وَلَا تَخْيِيرَ لِلَّقِيطِ)؛ إذْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، بِخِلَافِ اخْتِيَارِ الصَّغِيرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى تَجْرِبَةٍ تَقَدَّمَتْ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. (وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ) مِنْ مُخْتَلِفَيْنِ فِي لَقِيطٍ؛ (سَقَطَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَرْكُهُ لِلْآخَرِ، كَالشَّفِيعَيْنِ. وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنْ الْآخَرَ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا، وَسَأَلَ يَمِينَهُ؛ فَفِي الْفُرُوعِ يُتَوَجَّهُ يَمِينُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ».
تَتِمَّةٌ:
وَالشَّرِكَةُ فِي الِالْتِقَاطِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُلْتَقِطَانِ اللَّقِيطَ مَعًا. وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ كَالْأَخْذِ. وَلَا اعْتِبَارَ بِالْقِيَامِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَخْذِ عِنْدَ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَخْذِ، وَفِي مَعْنَاهُ وَضْعُ الْيَدِ، فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا.

.(فَصْلٌ): [إِرْثُ اللَّقِيطِ]:

(وَإِرْثُهُ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- إنْ مَاتَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُهُ الْمُلْتَقِطُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَحِمٌ، وَلَا نِكَاحٌ فَالْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ (وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ مِيرَاثِهِ، كَسَائِرِ مَالِهِ، إنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ؛ فَلَهَا الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ مَاتَتْ لَقِيطَةٌ لَهَا زَوْجٌ؛ فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ أَوْ ابْنُ بِنْتٍ؛ أَخَذَ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَالرَّحِمَ مُقَدَّمٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلْتَقِطُهُ)، بِأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْهُ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ، وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ لَحِقَهُ، وَحَازَ إرْثَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِذَا جَنَى اللَّقِيطُ جِنَايَةً تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ بِأَنْ جَنَى خَطَأً أَوْ شَبَهَ عَمْدٍ؛ (فَدِيَةُ خَطَئِهِ) وَنَحْوُهَا (فِيهِ)- أَيْ: فِي بَيْتِ الْمَالِ- لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لَهُ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، كَالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ؛ فَحُكْمُهُ فِيهَا حُكْمُ غَيْرِ اللَّقِيطِ، فَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ؛ اُقْتُصَّ مِنْهُ مَعَ الْمُكَافَأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، وَلَهُ مَالٌ؛ اُسْتُوْفِيَ مَا وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ مِنْ مَالِهِ، وَإِلَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ. (وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي) قَتْلٍ (عَمْدٍ، بَيْنَ أَخْذِهَا)- أَيْ: الدِّيَةِ- وَبَيْنَ (الْقِصَاصِ) نَصًّا، أَيَّهُمَا فَعَلَهُ جَازَ، إذَا رَآهُ أَصْلَحَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَمَتَى عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ؛ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ. (وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ)- أَيْ: طَرَفُ اللَّقِيطِ- وَهُوَ صَغِيرٌ وَمَجْنُونٌ حَالَ كَوْنِ الْقَطْعِ (عَمْدًا؛ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَرُشْدُهُ) لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الِاسْتِيفَاءِ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَانْتُظِرَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَفَارَقَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ لَهُ، بَلْ لِوَارِثِهِ، وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ؛ فَيَحْبِسُ الْجَانِيَ عَلَى طَرَفِ اللَّقِيطِ إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ لِئَلَّا يَهْرَبَ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ) اللَّقِيطُ (فَقِيرًا) عَاقِلًا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا؛ (فَيُلْزِمُهُ الْإِمَامُ الْعَفْوَ عَلَى مَا)؛ أَيْ: شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ، يَكُونُ فِيهِ حَظٌّ لِلَّقِيطِ، (يُنْفَقُ عَلَيْهِ) مِنْهُ، دَفْعًا لِحَاجَةِ الْإِنْفَاقِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَيَأْتِي فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْعَفْوَ، لِأَنَّهُ لَا أَمَدَ لَهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ، بِخِلَافِ وَلِيِّ الْعَاقِلِ. وَقُطِعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْمُغْنِي هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ هُنَاكَ. وَعَلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّقِيطَ لَوْ كَانَ مَجْنُونًا غَنِيًّا؛ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، بَلْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. (وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى اللَّقِيطِ- جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْمَالَ- رِقَّهُ، أَوْ ادَّعَى (قَاذِفُهُ رِقَّهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَكَذَّبَهُمَا) اللَّقِيطُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ إنْسَانًا، وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ. فَلِلَّقِيطِ طَلَبُ حَدِّ الْقَذْفِ، وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ حُرًّا. وَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا طَالَبَ، بِمَا يَجِبُ فِي الْحُرِّ. وَإِنْ صَدَّقَ اللَّقِيطُ قَاذِفَهُ؛ أَوْ الْجَانِيَ عَلَيْهِ عَلَى كَوْنِهِ رَقِيقًا؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا مَا يَجِبُ فِي قَذْفِ الرَّقِيقِ أَوْ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ)- أَيْ: غَيْرُ وَاجِدِهِ- (رِقَّهُ)- أَيْ اللَّقِيطِ- (أَوْ) ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ (مَجْهُولَ نَسَبِ غَيْرِهِ)- أَيْ: غَيْرِ اللَّقِيطِ- مَمْلُوكُهُ، (وَهُوَ بِيَدِهِ)- أَيْ: الْمُدَّعِي رِقَّهُ- (صُدِّقَ) الْمُدَّعِي؛ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ، (بِيَمِينِهِ)؛ لِإِمْكَانِ عَدَمِ الْمِلْكِ حَيْثُ كَانَ دُونَ التَّمْيِيزِ أَوْ مَجْنُونًا، ثُمَّ إذَا بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّقِيطُ أَوْ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِيَدِ الْمُدَّعِي؛ فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تُخَالِفُ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ. (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- إذَا ادَّعَاهُ، (مَعَ) بَقَاءِ (رِقِّهِ) لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ.
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً حُرَّةً؛ فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ. فَإِنْ ادَّعَى مُلْتَقِطُهُ رِقَّهُ، أَوْ ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلَيْسَ بِيَدِهِ؛ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ. بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَثْبُتُ بِهَا حَقُّ اللَّقِيطِ، وَدَعْوَى الرِّقِّ يَثْبُتُ بِهَا حَقٌّ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا، كَرِقِّ غَيْرِ اللَّقِيطِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ اللَّقِيطُ بِيَدِ الْأَجْنَبِيِّ الْمُدَّعِي لِرِقِّهِ، (وَحَلَفَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِيَدِهِ)، كَمَا لَوْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مِلْكِهِ كَانَ بِيَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ، (وَحَلَفَ أَنَّهُ)- أَيْ: اللَّقِيطَ- (مِلْكُهُ)؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ (أَوْ شَهِدَتْ) لَهُ بَيِّنَةٌ (بِمِلْكٍ) بِأَنْ قَالَ: نَشْهَدُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مِلْكِهِ، أَوْ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ أَوْ عَبْدُهُ، وَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ الْبَيِّنَةُ سَبَبَ الْمِلْكِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِمِلْكِ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ، (أَوْ) شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (أَنَّ أَمَتَهُ)- أَيْ: الْمُدَّعِي (وَلَدَتْهُ)- أَيْ: اللَّقِيطَ (بِمِلْكِهِ)؛ أَيْ: الْمُدَّعِي- (أَوْ) شَهِدَتْ (أَنَّهُ قِنُّهُ، وَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا مَلَكَهُ فَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ ابْنُ أَمَتِهِ، أَوْ أَنْ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ، وَلَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ، مَعَ كَوْنِهِ ابْنَ أَمَتِهِ وَكَوْنُهَا وَلَدَتْهُ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْوِلَادَةِ؛ قُبِلَ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ)- أَيْ: رِقَّ اللَّقِيطِ- (مُلْتَقِطٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ لَهُ، أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَقِطَهُ، وَلَا تَكْفِي يَدُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَيَدُهُ عَنْ سَبَبٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا. بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمِلْكُ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا)؛ أَيْ: عَدَمُ قَبُولِ دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ بِدُونِ بَيِّنَةٍ إنْ أَقَامَهَا، (بَعْدَ اعْتِرَافِهِ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطِ- (أَنَّهُ لَقِيطٌ)؛ لِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاعْتِرَافِ، (وَإِلَّا) يَعْتَرِفْ بِأَنَّهُ لَقِيطٌ (فَلَوْ ادَّعَاهُ)- أَيْ: رِقَّ اللَّقِيطِ- (ابْتِدَاءً) مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ اعْتِرَافٍ مِنْهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالرِّقِّ؛ (قُبِلَ) قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ، وَحُكِمَ لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ صَدَرَتْ دَعْوَى ذَلِكَ مِنْ (أَجْنَبِيٍّ)؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ لَقِيطٍ وَمَجْهُولٍ نَسَبُهُ بَالِغًا عَاقِلًا، وَكَذَا مُمَيِّزًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى، فَأَنْكَرَ أَنَّهُ رَقِيقٌ، وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِرِقِّ لَقِيطٍ بَالِغٍ)، بِأَنْ قَالَ: أَنَا مِلْكُ زَيْدٍ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ، (وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ- (تَصَرُّفٌ مِنْهُ بِنَحْوِ بَيْعٍ) أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ (صَدَاقٌ وَلَا نِكَاحٌ، أَوْ) لَمْ يَتَقَدَّمْهُ (اعْتِرَافٌ بِحُرِّيَّتِهِ) قُبِلَ ذَلِكَ، بِأَنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ جَوَابًا لِدَعْوَى مُدَّعٍ، (أَوْ) أَقَرَّ ابْتِدَاءً، وَلَوْ (صَدَّقَ مُقِرٌّ لَهُ) بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ- تَعَالَى- فِي الْحُرِّيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ؛ كَمَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الطِّفْلَ الْمَنْبُوذَ لَا يَعْلَمُ رِقَّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ رِقٌّ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ؛ فَكَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا. (فَإِنْ شَهِدَتْ) لِمُدَّعِي رِقِّ اللَّقِيطِ أَوْ مَجْهُولِ النَّسَبِ (بَيِّنَةٌ) بِدَعْوَاهُ؛ (حُكِمَ لَهُ بِهَا)- أَيْ: بِبَيِّنَتِهِ- (وَنُقِضَ تَصَرُّفُهُ) الْوَاقِعُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ لِمُدِعِّ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ قَدْ تَصَرَّفَ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ لَقِيطٌ بَالِغٌ (بِكُفْرٍ، وَقَدْ نَطَقَ بِإِسْلَامٍ، وَهُوَ مُمَيِّزٌ يَعْقِلُهُ)- أَيْ: الْإِسْلَامَ- أَوْ أَقَرَّ بِهِ لَقِيطٌ بَالِغٌ (مُسْلِمٌ حُكْمًا)؛ بِأَنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ (تَبَعًا لِلدَّارِ)؛ بِأَنْ كَانَ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِ مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ؛ (فـَ) هُوَ (مُرْتَدٌّ)؛ أَيْ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ، يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ فِي الصُّورَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَبِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مُتَيَقَّنٌ؛ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا يُنَافِيهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وُجِدَ عُرْيًا عَنْ الْمَعَارِضِ، وَثَبَتَ حُكْمُهُ وَاسْتَقَرَّ؛ فَلَمْ يَجُزْ إزَالَةُ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ ابْنٌ مُسْلِمٌ، وَقَوْلُهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ فِي الْحَالِ مَنْ كَانَ أَبُوهُ، وَلَا مَا كَانَ دِينُهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ أَحْمَدُ فِي أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ: وَلَدُهَا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إلَّا أُمُّهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ)؛ أَيْ: بِأَنَّ اللَّقِيطَ وَلَدُهُ، (مَنْ)- أَيْ: إنْسَانٌ- (كَوْنُهُ)- أَيْ: اللَّقِيطِ- (مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ الْمُقِرِّ- وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ (كَافِرًا، أَوْ قِنًّا، أَوْ أُنْثَى ذَاتَ زَوَاجٍ أَوْ) ذَاتَ (نَسَبٍ مَعْرُوفٍ)، أَوْ ذَاتَ إخْوَةٍ؛ (أُلْحِقَ) اللَّقِيطُ، (وَلَوْ) كَانَ (مَيِّتًا، بِهِ)- أَيْ: بِالْمُقِرِّ- لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لِلَّقِيطِ لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ؛ فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ. وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ رَجُلًا حُرًّا مُسْلِمًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَعَلَى الصَّحِيحِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ كَافِرًا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ نَصِّ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِنَسَبِ مَجْهُولِ النَّسَبِ، وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ إضْرَارٌ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْحَقُهُ فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ؛ فَصَحَّ إقْرَارُهُ. كَالْمُسْلِمِ. وَعَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ أُنْثَى ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ نَسَبٍ مَعْرُوفٍ، أَوْ إخْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ؛ فَثَبَتَ النَّسَبُ بِدَعْوَاهَا، كَالْأَبِ. وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا، كَمَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الرَّجُلِ، بَلْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِهِ مِنْ زَوْجٍ، وَمَنْ وَطِئَ شُبْهَةً، وَيَلْحَقُهَا وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَا دُونَ الرَّجُلِ. وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ اللَّقِيطِ عَلَى الْقِنِّ الَّذِي أَلْحَقْنَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَلَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَى مَنْ اسْتَلْحَقَهُ؛ لِاشْتِغَالِهِ بِالسَّيِّدِ، فَيَضِيعُ، فَلَا يَتَأَهَّلُ لِلْحَضَانَةِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ جَازَ؛ لِانْتِفَاءِ مَانِعِ الشَّغْلِ. وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ مَنْ اسْتَلْحَقَهُ الْقِنُّ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، وَالسَّيِّدُ غَيْرُ نَسِيبٍ لَهُ، وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. وَلَا يَلْحَقُ (بِزَوْجِ) امْرَأَةٍ (مُقِرَّةٍ) بِهِ، بِدُونِ تَصْدِيقِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا لَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِهَا، فَلَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ نَسَبُ وَلَدٍ لَمْ يُولَدْ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ. فَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِ زَوْجِهَا؛ لَحِقَ بِهِ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ؛ لَمْ يَلْحَقْ بِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عَلَيْهَا. (وَلَا يَتْبَعُ) اللَّقِيطُ رَقِيقًا ادَّعَى نَسَبَهُ (فِي رِقٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَبَعِيَّتِهِ النَّسَبَ الرِّقُّ بِدُونِ بَيِّنَةٍ.
(وَ) لَا يَتْبَعُ لَقِيطٌ كَافِرًا اسْتَلْحَقَهُ فِي (كُفْرٍ)، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِدَعْوَى الْكَافِرِ، وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ، وَفِيهِ إضْرَارٌ بِاللَّقِيطِ وَلَا حَقَّ لِلْكَافِرِ فِي حَضَانَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِكَفَالَةِ مُسْلِمٍ، وَلَا تُؤْمَنُ فِتْنَتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ وَطِىءَ) اثْنَانِ (مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ) امْرَأَةً (كَافِرَةً) بِشُبْهَةٍ، وَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، (وَأَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِالْكَافِرِ)؛ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِي النَّسَبِ، وَلَا يَتْبَعُهُ فِي الدِّينِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَلَا يُسَلَّمُ اللَّقِيطُ إلَى مُسْتَلْحَقِهِ الْكَافِرِ، (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) مُسْتَلْحَقُهُ (بَيِّنَةً) تَشْهَدُ (أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ)، فَيَلْحَقُهُ دِينًا؛ لِثُبُوتِ أَنَّهُ وَلَدُ ذِمِّيَّيْنِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَقِيطًا، بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْكُفْرِ إلَى بُلُوغِهِ عَاقِلًا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
تَنْبِيهٌ:
وَالْمَجْنُونُ كَالطِّفْلِ، إذَا أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ؛ لَحِقَ بِهِ، إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَكَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَجْنُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَهُوَ كَالطِّفْلِ. وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لِحَاقُهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ، لَوْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ وَأَنْكَرَ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ؛ لِنُفُوذِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ لِمُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ)- أَيْ: نَسَبَ اللَّقِيطِ- (جَمْعٌ)، اثْنَانِ فَأَكْثَرُ؛ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ صَحَّتْ دَعْوَاهُ فَإِذَا تَنَازَعُوا تَسَاوَوْا فِي الدَّعْوَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ. فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ؛ (قُدِّمَ ذُو الْبَيِّنَةِ) بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ، وَتُبَيِّنُهُ. وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ الْمُدَّعَى نَسَبُهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ خَارِجٍ، كَالْمَالِ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ امْرَأَةٍ، وَادَّعَتْ نَسَبَهُ، وَأَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً؛ قُدِّمَتْ عَلَى امْرَأَةٍ ادَّعَتْهُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إظْهَارِ الْحَقِّ. (فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهَا)- أَيْ: الْبَيِّنَةِ بِأَنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَيِّنَةً، وَالطِّفْلُ بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ لَيْسَ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، (أَوْ) تَسَاوَوْا (فِي عَدَمِهَا)، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ؛ (عَرَضَ) اللَّقِيطُ (مَعَ مُدَّعٍ) مَوْجُودٍ (أَوْ) مَعَ (أَقَارِبِهِ)- أَيْ: الْمُدَّعِي- كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ. (إنْ) كَانَ (مَاتَ) الْمُدَّعِي، (عَلَى الْقَافَةِ)- بِالتَّخْفِيفِ- جَمَعَ قَائِفٌ. وَيَأْتِي مَعْنَاهُ. وَكَانَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَائِفًا، وَكَذَا شُرَيْحٌ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِوَاحِدٍ)؛ لَحِقَ بِهِ؛ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَهُوَ مَسْرُورٌ تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ، «أَلَم تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَفِي لَفْظٍ: «دَخَلَ قَائِفٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْجَبَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. فَلَوْلَا جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْقَافَةِ؛ لَمَا سُرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ: اُنْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ حَمْشَ السَّاقَيْنِ، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا، جَمَالِيًّا، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ، فَأَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ»، فَحَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَشْبَهَ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ: لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ؛ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالشَّبَهِ إلَّا الْأَيْمَانُ، فَإِذَا انْتَفَى الْمَانِعُ؛ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ. وَقَوْلُهُ حَمْشَ السَّاقَيْنِ- أَيْ: دَقِيقَهُمَا- وَالْجَعْدُ لَئِيمُ الْحَسَبِ، وَخَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مُمْتَلِئُهُمَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، حِينَ رَأَى بِهِ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ». فَعَمِلَ بِالشَّبَهِ فِي حَجْبِ سَوْدَةَ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، إذْ لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّبَهِ فِيهِمَا، بَلْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزَمْعَةَ، وَقَالَ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَلَمْ يَعْمَلْ شَبَهُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِالْمَقْذُوفِ، قُلْنَا: إنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فِي أَمَةِ ابْنِ زَمْعَةَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ أَقْوَى، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا؛ لَا يُوجِبُ الْإِعْرَاضَ عَنْهَا، إذَا خَلَتْ عَنْ الْمَعَارِضِ، وَلِذَلِكَ تَرَكَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ أَيْمَانِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ». عَلَى أَنَّ ضَعْفَ الشَّبَهِ عَنْ إقَامَةِ الْحَدِّ، لَا يُوجِبُ ضَعْفَهُ عَنْ إلْحَاقِ النَّسَبِ، فَإِنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَقْوَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَأَكْثَرِهَا عَدَدًا وَأَقْوَى الْإِقْرَارِ، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ تَكْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَيَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَيَثْبُتُ مَعَ ظُهُورِ انْتِفَائِهِ، حَتَّى لَوْ أَنْ امْرَأَةً أَتَتْ بِوَلَدِ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ عَنْهَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً؛ لَحِقَهُ وَلَدُهَا، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ. وَلِأَنَّهُ حَكَمَ بِظَنٍّ غَالِبٍ وَرَأْيٍ رَاجِحٍ، مِمَّنْ هُوَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ؛ فَجَازَ؛ كَقَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَاهُنَا إذَا عَمِلْتُمْ بِالْقِيَافَةِ فَقَدْ نَفَيْتُمْ النَّسَبَ عَمَّنْ تَلْحَقُهُ الْقَافَةُ بِهِ؛ قُلْنَا: إنَّمَا انْتَفَى النَّسَبُ هَاهُنَا لِعَدَمِ دَلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، وَقَدْ عَارَضَهَا مِثْلُهَا؛ فَسَقَطَ حُكْمُهَا، فَكَانَ الشَّبَهُ مُرَجِّحًا لِأَحَدِهِمَا، فَانْتَفَتْ دَلَالَةُ الْأُخْرَى، فَلَزِمَ انْتِفَاءُ النَّسَبِ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ، وَتَقْدِيمِ اللِّعَانِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ، كَالْيَدِ تُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ وَيُعْمَلُ بِهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ الْمُغْنِي. (أَوْ) أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ (بِاثْنَيْنِ؛ لَحِقَ) نَسَبُهُ بِهِمَا؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَعَلِيٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ، يَرِثُهُمَا، وَيَرِثَانِهِ. رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ عَنْ عُمَرَ (فَيَرِثُ) اللَّقِيطُ الْمُلْحَقُ بِأَبَوَيْنِ (كُلًّا مِنْهُمَا)- أَيْ: الْأَبَوَيْنِ- إرْثَ وَلَدٍ كَامِلٍ، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ وَرِثَ جَمِيعَ مَالِهِمَا. (وَيَرِثَانِهِ إرْثَ أَبٍ) وَاحِدٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ إلْحَاقُ الْقَافَةِ لَقِيطًا بِاثْنَيْنِ مُعْتَبَرًا (فَلَوْ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: مَنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِهِ، (بِنْتَ) الْمُلْحَقِ (الْآخَرِ) الْمَفْرُوضِ فِي مَسْأَلَتِنَا (قِيلَ)- أَيْ: قَالَ الْقَائِلُ- (فِيهِ)؛ أَيْ: الشَّخْصِ الَّذِي تَزَوَّجَ: قَدْ (تَزَوَّجَ) هَذَا (أُخْتَ ابْنِهِ) لِأَبِيهِ (نَسَبًا)؛ أَيْ: فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: إذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ بِنْتٌ، وَلِلَّقِيطِ أُمٌّ؛ جَازَ لِوَاحِدٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ بِنْتَيْ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ وَأُمِّ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ، وَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَال: شَخْصٌ تَزَوَّجَ بِأُمِّ شَخْصٍ وَأُخْتَيْهِ مَعًا، وَأُقِرُّ النِّكَاحُ مَعَ إسْلَامِ الْجَمِيعِ. وَفِي ذَلِكَ قُلْتُ مُلْغِزًا: يَا فَقِيهًا حَوَى الْفَضَائِلَ طُرًّا وَتَسَامَى عَلَى الْأَنَامِ بِعِلْمِهِ أَفْتِنَا فِي شَخْصٍ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ لِشَخْصٍ مَعَ الْبِنَاءِ بِأُمِّهِ وَأَجَازُوا عُقُودَهُ دُونَ رَيْبٍ أَوْ مَلَامٍ فِي الشَّرْعِ أَرْشِدْ لِفَهْمِهِ. (وَإِنْ وَصَّى) أَيْ: الْمُلْحَقُ بِاثْنَيْنِ؛ قَبِلَا لَهُ الْوَصِيَّةَ (أَوْ وَهَبَ لَهُ؛ قَبِلَا) لَهُ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أَبٍ وَاحِدٍ. وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْمُوَضِّحُ: وَهُمَا وَلِيَّانِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ خَلَّفَ) الْمُلْحَقُ بِاثْنَيْنِ (أَحَدَهُمَا فَلَهُ)- أَيْ: الْمُخَلَّفِ مِنْهُمَا- (إرْثُ أَبٍ كَامِلٌ، وَنَسَبُهُ) مَعَ ذَلِكَ (ثَابِتٌ مِنْ الْمَيِّتِ)، لَا يُزِيلُهُ شَيْءٌ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إذَا انْفَرَدَتْ أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ وَالزَّوْجَةُ وَحْدَهَا تَأْخُذُ مَا تَأْخُذُهُ الزَّوْجَاتُ. (وَلِأُمِّ أَبَوَيْهِ)، إذَا مَاتَ وَخَلَّفَهُمَا (مَعَ أُمِّ أُمِّهِ) وَعَاصِبٍ، (نِصْفُ سُدُسٍ)؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَدَّةِ الْأَبِ (وَلَهَا)؛ أَيْ: لِأُمِّ أُمِّهِ (نِصْفُهُ)- أَيْ: السُّدُسِ- كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعَ أُمِّ أَبٍ وَاحِدٍ. (وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِأَكْثَرَ) مِنْ اثْنَيْنِ؛ فَيَلْحَقُ بِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُلْحِقَ بِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا جَازَ أَنْ يُخَلِّفَ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُخَلِّفَ مِنْ أَكْثَرَ. وَلَوْ تَوَقَّفَتْ الْقَافَةُ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ مَنْ ادَّعَاهُ، أَوْ نَفَتْهُ عَنْ الْآخَرِ؛ لَمْ يَلْحَقْ بِاَلَّذِي تَوَقَّفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُ. وَإِنْ ادَّعَى نَسَبَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أُلْحِقَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا؛ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، فَيَكُونُ ابْنُهُمَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمَا، كَالِانْفِرَادِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ: هُوَ ابْنِي مِنْ زَوْجَتِي، وَادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ، وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا فَهُوَ ابْنُهُ، وَتُرَجَّحُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ زَوْجَهَا أَبُوهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أُمُّهُ. (وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ)، وَقَدْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ، ضَاعَ نَسَبُهُ فَإِنْ وُجِدَتْ (وَلَوْ بَعِيدَةً)؛ ذَهَبُوا إلَيْهَا. (أَوْ نَفَتْهُ) الْقَافَةُ عَمَّنْ ادَّعَيَاهُ أَوْ ادَّعَوْهُ، (أَوْ أَشْكَلَ) أَمْرُهُ عَلَى الْقَافَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ ضَاعَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِأَحَدِهِمْ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدَّعَ نَسَبُهُ. (أَوْ اخْتَلَفَ) فِيهِ (قَائِفَانِ)، فَأَلْحَقَهُ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدٍ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ، (أَوْ) اخْتَلَفَ قَائِفَانِ (اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ) مِنْ الْقَافَةِ فَأَكْثَرَ؛ بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ: هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ ابْنُ عُمَرَ؛ (ضَاعَ نَسَبُهُ)؛ لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِ مَنْ يَدَّعِيهِ، أَشْبَهَ تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمْ بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الْغَيْرُ، فَلَا يَحْصُلُ الثِّقَةُ بِذِكْرِهَا. (وَيُؤْخَذُ) بِقَوْلِ قَائِفِينَ (اثْنَيْنِ خَالَفَهُمَا) قَائِفٌ (ثَالِثٌ)؛ لِكَمَالِ النِّصَابِ إنْ اُعْتُبِرَ التَّعَدُّدُ، وَإِلَّا فَتَعَارُضُ الْقَائِفَيْنِ يَقْتَضِي تَسَاقُطَهُمَا، وَالثَّالِثُ خَلَا عَنْ مُعَارِضٍ فَيُعْمَلُ بِهِ، (كَبَيْطَارَيْنِ) خَالَفَهُمَا بَيْطَارٌ فِي عَيْبٍ، (وَكَطَبِيبَيْنِ) خَالَفَهُمَا طَبِيبٌ (فِي عَيْبٍ) قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَب. وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ التَّقْوِيمِ، بِأَنْ قَوَّمَاهُ بِعَشْرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا بَعْدَ الْحُكْمِ. (وَلَوْ رَجَعَ عَنْ دَعْوَاهُ) النَّسَبَ (مَنْ أَلْحَقَتْهُ قَافَةٌ بِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ (وَمَعَ عَدَمِ إلْحَاقِ) الْقَافَةِ بِهِ (فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا) عَنْ دَعْوَاهُ؛ (أُلْحِقَ بِالْآخَرِ)؛ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، وَلَا يُضَيَّعُ نَسَبُهُ. (وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: «أَنَّهُ اسْتَقَافَ الْمُصْطَلَقَيْ وَحَّدَهُ» وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ اسْتَقَافَ ابْنَ كَلْدَةَ وَاسْتَلْحَقَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ حَكَمٌ، فَقُبِلَ فِيهِ الْوَاحِدُ، كَالْحَاكِمِ. (وَهُوَ كَحَاكِمٍ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَقُولُهُ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ. فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ آخَرُ بِآخَرَ؛ كَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَهُ جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَلَا يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ عَادَ فَأَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ. وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَسَقَطَ قَوْلُ الْقَائِفِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ، فَيَسْقُطُ بِوُجُودِ الْأَصْلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ. (وَشُرِطَ كَوْنُهُ)- أَيْ: الْقَائِفِ- (ذَكَرًا)؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ حُكْمٌ مُسْتَنَدُهَا النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الذُّكُورَةُ؛ كَالْقَضَاءِ (عَدْلًا)؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَعُلِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ إسْلَامِهِ بِالْأَوْلَى؛ إذْ الْحَاكِمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا حُرًّا؛ لِأَنَّهُ كَحَاكِمٍ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّارِحِ، وَالْمُوَفَّقُ، وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّة: الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ، فَتُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: لِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ، وَالْحُكْمُ يُعْتَبَرُ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ انْتَهَى.
(خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ- فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. كَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْإِنْصَافِ: إنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ- وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ- يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَعَلَى الثَّانِي- وَهُوَ اشْتِرَاطُهَا- يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ. ثُمَّ لَمَّا أَلَّفَ التَّنْقِيحَ جَزَمَ بِأَنَّ الْقَائِفَ كَحَاكِمٍ، فَإِذَنْ تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَمُقْتَضَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ وَشَاهِدٍ اعْتِبَارُ الْإِسْلَامِ قَطْعًا (مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي كَيْفِيَّةِ التَّجْرِبَةِ: هُوَ أَنْ يُتْرَكَ اللَّقِيطُ مَعَ عَشَرَةٍ مِنْ الرِّجَالِ، غَيْرَ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَيَرَى إيَّاهُمْ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ سَقَطَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَتَبَيَّنُ خَطَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَرَيْنَاهُ إيَّاهُ مَعَ عِشْرِينَ مِنْهُمْ مُدَّعِيهِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَ. وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِأَنْ يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ، مَعَ قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِقَرِيبِهِ عُلِمَتْ إصَابَتُهُ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ سَقَطَ قَوْلُهُ. وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَائِفِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ نُجَرِّبْهُ فِي الْحَالِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ؛ جَازَ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَقَدْ رُوِينَا أَنَّ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ فِي وَلَدٍ لَهُ مِنْ جَارِيَتِهِ، وَأَبَى أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ، فَمَرَّ بِهِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْمَكْتَبِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ اُدْعُ لِي أَبَاكَ، فَقَالَ الْمُعَلِّمُ: وَمَنْ أَبُو هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَبُوهُ؟ قَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَقَامَ الْمُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلَى أَبِيهِ، فَأَعْلَمَهُ بِقَوْلِ إيَاسٍ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَسَأَلَ إيَاسًا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا وَلَدِي؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَهَلْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؟ إنَّهُ لَأَشْبَهُ مِنْكَ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَسُرَّ الرَّجُلُ، وَاسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ انْتَهَى.
(وَكَذَا)- أَيْ: كَاللَّقِيطِ (إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً) بِلَا زَوْجٍ (بِشُبْهَةٍ) فِي طُهْرٍ، (أَوْ) وَطِئَا (أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ زَوْجَةً) لِآخَرَ، (أَوْ سُرِّيَّةً لِآخَرَ)، هِيَ فِرَاشٌ لِذَلِكَ الْآخَرِ، وَهُوَ أَنْ يَجِدَهَا الْوَاطِئُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ يَدْعُو زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَتُجِيبُهُ زَوْجَةُ آخَرَ أَوْ أَمَتُهُ، أَوْ يَتَزَوَّجَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزْوِيجًا فَاسِدًا، أَوْ يَكُونُ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا صَحِيحًا وَالْآخَرُ فَاسِدًا، مِثْلُ أَنْ يُطَلِّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَيَنْكِحَهَا آخَرُ فِي عِدَّتِهَا أَوْ يَطَؤُهَا؛ أَوْ يَبِيعُ جَارِيَتَهُ أَوْ يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَإِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ (وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ) مِنْهُمَا- أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ-؛ فَإِنَّهُ يَرَى الْقَافَةُ مَعَهُمَا.
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: سَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ، أَوْ جَحَدَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ ثَبَتَ الِافْتِرَاشُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَلَمْ يَدَّعِ؛ زَوْجٌ أَنَّهُ)- أَيْ: الْوَلَدَ- (مِنْ وَاطِئٍ). هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (خِلَافًا لَهُ- أَيْ:) لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ- فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا، فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ أَرَى الْقَافَةَ مَعَهُمَا. انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ مِنْ اشْتِرَاطِ دَعْوَى الزَّوْجِ، تَبِعَ فِيهِ اخْتِيَارَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ؛ لِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّوَابُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَكَلَامُهُ فِي الْإِنْصَافِ هُنَا مُشْكِلٌ، فَلْيُرَاجِعْهُ بِتَأَمُّلٍ مَنْ شَاءَ. انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْإِنْصَافِ: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا، فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ أَرَى الْقَافَةَ مَعَهُمَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ عِبَارَاتِ مَنْ ذَكَرَ، وَأَمْعَنَ فِيهَا دِقَّةَ الْفِكْرِ، وَحِدَّةَ النَّظَرِ؛ وَجَدَ بَعْضَهَا مُخَالِفًا لِمَا رَقَمَ، وَجَزَمَ بِأَنَّهَا مُجَرَّدُ سَبْقِ قَلَمٍ، فَإِنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ لَمْ يَشْتَرِطْهَا سِوَى أَبِي الْخَطَّابِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَبْلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ خَلَفَ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِلْحَائِزِينَ بِالتَّقَدُّمِ غَايَةَ الشَّرَفِ.
تَتِمَّةٌ:
وَنَفَقَةُ الْمَوْلُودِ الْمُشْتَبَهِ نَسَبُهُ عَلَى الْوَاطِئِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إمْكَانِ لُحُوقِهِ بِهِمَا، فَإِذَا لَحِقَ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ مَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ عَلَى الْآخَرِ بِنَفَقَتِهِ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ فِي غَيْرِ بُنُوَّةٍ؛ كَأُخُوَّةٍ وَعُمُومَةٍ وَخُؤُولَةٍ، لِحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ؛ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَعْمَامَهُ» ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْعَصَبَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ شَبَهِ الْمُدَّعَى لِلْمَيِّتِ بِشَبَهِ مُنَاسِبِيهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَصَبَاتِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ وُطِئَتْ مُزَوَّجَةٌ أَوْ أَمَةٌ (بِزِنًا)، وَهِيَ فِرَاشٌ لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، مِنْ الْوَاطِئِ، فَالْوَلَدُ الَّذِي أَتَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ (لِزَوْجٍ، وَ) الَّذِي أَتَتْ بِهِ الْأَمَةُ (لِسَيِّدٍ)؛ لِقُوَّةِ جَانِبِ كُلٍّ مِنْهَا، بِكَوْنِهَا فِرَاشًا لَهُ. وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ اثْنَانِ أَمَةً لَهُمَا، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ (فِي أَمَتِهِمَا) الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَدَّعِهِ أَحَدُهُمَا، (وَلَا قَافَةَ) مَوْجُودَةً يُعْرَضُ عَلَيْهَا، أَوْ وَجَدَ قَافَةَ وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا؛ (يَلْحَقُهُمَا)؛ أَيْ: الْوَلَدُ الْوَاطِئَيْنِ مَعًا، إذْ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ لَلَحِقَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فِرَاشٍ، فَكَذَلِكَ هُنَا؛ إذْ لَا فَرْقَ (وَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِمَا)؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِمَا، وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا يَعْتِقُ مِنْهَا قَدْرَ نَصِيبِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَيْسَ لِزَوْجٍ) وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَ(أُلْحِقَ بِهِ) الْوَلَدُ بِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ لَهُ، وَهُوَ يَجْحَدُهُ؛ (اللِّعَانُ؛ لِنَفْيِهِ)؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَذْفٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} وَهَذَا لَيْسَ بِقَاذِفٍ؛ فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ؛ لِعَدَمِ شَرْطِهِ (وَالْقَافَةُ) قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الْإِنْسَانَ بِالشَّبَهِ، جَمْعُ قَائِفٍ، وَ(لَا تَخْتَصُّ) الْقَافَةُ (بِقَبِيلَةٍ) مُعَيَّنَةٍ كَبَنِي مُدْلِجٍ، (بَلْ مَنْ) عُرِفَ عَنْهُ الْمَعْرِفَةُ، وَ(جُرِّبَ فِي) هَذَا الشَّأْنِ، وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ (الْإِصَابَةُ؛ فَهُوَ قَائِفٌ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ قِفْتُ، وَقَفَوْتُ، وَقَافَ، وَاقْتَافَ أَثَرَهُ، إذَا اتَّبَعَهُ، وَهُوَ أَقْوَفُ النَّاسِ انْتَهَى.